الأحد، ٢٧ مارس ٢٠١١

اختلاف الصحابة في الأحكام الشرعية

محل اختلاف الصحابة.

قد يستغرب البعضُ وجودَ خلافٍ في شريعةٍ واحده، مصدرها واحد، ومُبلغها عن الله واحد، لكن الغرابة تزول، إذا عَلم أنها شريعة ختم الله بها الرسالات، جاءت للناس كافة ، صالحة لكل زمان ومكان، لتعالج جميع المشكلات.

ومن المعلوم أن الوقائع والحوادث ليست متناهية، بل متجددة متغيرة، فما كان من أمور الناس ثابتا لا يتغير جاءت الشريعة مفصلة له بنصوص صريحة قاطعة، كأركان الإسلام والإيمان، وأسس الدين في المعتقد والعبادة والتشريع وغيرها، فلم يقع الخلاف عليها ممن يعتد بقوله من أهل الإسلام.

وما كان متغيرا أو مستجدا من الفروع جاءت الشريعة فيه بنصوص وقواعد عامة يُستخرج منها الأحكام، فاجتهد الصحابة -رضوان الله عليهم- في معرفة ما جد من أمور عرضت لهم، ليستبينوا حكم الله فيها.

ولقد كان اجتهاد الصحابة رائده الإخلاص وطلب الحق، ولا عجب؛ فهم صفوة الخلق، فكان اختلافهم مجرد اختلاف وجهات النظر، فلم ينقلوا الخلاف القولي إلى خلاف علمي يُظهر النزاعات والفرقة بينهم.

وهذا الاختلاف بين الصحابة لم يكن ضرر على الأمة أو الأحكام الشرعية، بل أفادوا الأجيال من بعدهم من ناحيتين:

الأولى: أنهم سنوا للأمة الطريق القويم للاجتهاد، وجعلوا له أصولا وضوابط، وبينوا أن الاختلاف في طلب الحقيقة لا يؤثر في وحدة المسلمين، ولكنه يشحذ العقول والأفهام، ويوصل إلى الحق المبين.

الثانية: أنهم تركوا لمن بعدهم ثروة فقهية كبيرة، تفتح باب التيسير والاجتهاد، وتحرض على البحث، وتنهى عن الجمود.

ويؤيد ذلك ما ذكره الشاطبي -رحمه الله- " أن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربا من ضروب الرحمة"، و" روى عن القاسم بن محمد قال: لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في العمل، لا يعمل العامل بعلم رجل منهم إلا رأى أنه في سعة" وعقب الشاطبي على ذلك بقوله:" ومعنى هذا أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد، وجواز الاختلاف فيه، لأنهم لو لم يفتحوه، لكان المجتهدون في ضيق، لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة، فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم بإتباع ما غلب على ظنونهم، مكلفين بإتباع خلافهم، وهو نوع من تكليف مالا يطاق، وذلك من أعظم الضيق"[1]



[1] الاعتصام ـ للشاطبى موافق للمطبوع - (2 / 171)

المرجع: اختلاف الصحابة في الأحكام الشرعية، مها بنت عبد الله العوشن، بحث مقدم لكلية الشريعة- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ليست هناك تعليقات: